فرقة الأشاعرة
تعريف الأشاعرة
الأشعرية مصطلح أطلق على أتباع الإمام أبي الحسن الأشعري سنة (260ه)[49]، وأصبح لقبا يطلق على تيار فكري واسع يحمله اهل السنة والجماعة مع العلم أن الأشعري كان من أتباع الاعتزال بحسب الروايات التي يتدذاولها أتباع الفرقة. ولدت الأشاعرة في اليوم الذي هجر فيه الأشعري الاعتزال، وبدأ بتأسيس علم كلام جديد هدفه الحدّ من سطوة العقل عند المعتزلة لصالح الاتجاه النصي الذي عليه أهل السنة والحديث[50]، والذي حاول فيه التوسط بين النص والعقل، وادراك مغبة الاقتصار على احدهما دون الاخر.
ولهذا تعتبر الأشعرية نفسها مدرسة تصحيحية لما علق بالعقائد الإسلامية وما أصابها من النهج الاعتزالي.
أهم المسائل ومقالاتها
– الإيمان عند الأشاعرة
يذهب الأشاعرة إلى أن الإيمان من أفعال القلوب فقط فلا يكون النطق شرطا ولا شطرا فيه فهو تصديق نفساني، وهو عقد القلب على ما علم من إخبار المخبر فيكون فعلا كسبيا اختياريا يثاب عليه، وهو المحكي عند الأشاعرة …. وبناءا عليه فالإيمان يحصل بين العبد وربه بدون الإقرار، وليس الإقرار إلا شرطا لترتيب آثار الإسلام عليه في الدنيا … واستدل الباقلاني في تمهيده على ان الإيمان تصديق بالله تعالى، بأن القرآن لم يستعمل اللفظ إلا بما كان عليه بحسب معناه اللغوي وليس إلا التصديق بالقلب فلو كان الشرع قد تصرف بالمعنى لنقل. والى هذا الرأي مال الغزالي أيضا في قواعد العقائد، فليس الإقرار إلا ترجمان الإيمان: فمن مات قبل ان ينطق الشهادتين، مات مؤمنا.
العقل والنقل
اذا كان المعتزلة قد أطلقوا العنان للعقل وأعطوه السيادة في الحكم فإن المنهج الأشعري يؤصل للشرع في الحكم لأن إعطاء العقل السيادة لا يؤدي إلى نصرة الدين بل يؤدي إلى استبدال العقل بالعقيدة وكيف تكون معتقداتنا عن الله اذا كان العقل هو المرجح عند التعارض مع النقل ؟
كما أن الدين يتضمن أحكاما توقيفية ولا يكون بدونها إيمان وما عسى أن يكون الدين اذا استباح الإنسان لعقله أن يخوض في كل فعل أو أمر الهي ان ذلك يتنافى تماما مع المفهوم الإيمان وما يقتضيه من تصديق وتسليم [51].
فإذا تعارض العقل مع النقل فان النقل هو المقدم لدى الأشعري اذ أن العقل عنده لابد أن يتبع النقل ولا يحيد عنه.
فالعقل والنقل في المنظومة الأشعرية لا يتعاندان ولا يتنافران بل يتكاملان ويتآزران فلا افراط ولا تفريط ولا جمود، وتبعا لذلك فالأصوليون الأشاعرة يحيلون أن تتنافى الأدلة الشرعية مع قضايا العقول.
ثم أن المدرسة الاشعرية تطورت تطوراً تاريخاً وفكرياً وتم هذا التطور على مرحلتين:
الأولى: على يد المؤسس الحقيقي للمدرسة الاشعرية الإمام أبو بكر الباقلأني وبنظريته القاضية بأن (بطلأن الدليل يؤذن ببطلأن المدلول) [52] .
وهذا ما اصطلح عليه بالطور الأول لعلم الكلام الاشعري، وكثر اتباع الشيخ الاشعري، فجاء القاضي أبو بكر الباقلأني وتصدر للإمامة في طريقتهم وهذبها ووضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والنظار، وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء، وأن العرض لا يقوم بالعرض وأنه لا يبقى زمأنين، و جعل هذه القواعد تبعاً للعقائد الإيمأنية في وجود اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليها وأن بطلأن الدليل يؤذن ببطلأن المدلول[53]. وهذه هي طريقتهم (أي المتقدمين).
الثاني: أن بطلأن الدليل لا يؤذن ببطلأن المدلول الذي يمكن أن يثبت بدليل آخر، وقرروا أن دليلاً واحداً أو أدلة كثيرة قد يظهر بطلأنها ولكن قد يستدل على المطلوب بما هو أقوى منها، فلا وجه للحجر على الاستدلال[54]
وهذه هي طريقة المتأخرين أو الطور الثأني من علم الكلام الاشعري، ثم أنتشر من بعد ذلك علوم المنطق في المله ثم نظروا في تلك القواعد والمقدمات في فن الكلام والاقدمين خالفوا الكثير منها بالبراهين، ثم توغل المتأخرون من بعد ذلك في مغالطة فالتبس عليهم شأن الموضوع في العلمين (الكلام والفلسفة) فحسبوه فيهما واحد لاشتباه المسائل بينهم[55].
وبما أن العقل عند الأشاعرة آلة للإدراك فقط فالذي يوجب هذا الإدراك هو الوحي فقط، يقول الأشعري: (أن العقل يستطيع أن يدرك وجود الله لكن العقل آلة للإدراك فقط، أما الأصل الوحيد لمعرفة الله فهو الوحي)[56].
صفات الله
يعارض الاشاعرة قول المعتزلة بان الصفة هي قول واصف دون أن يكون لها معنى حقيقي لأن هو الكلام المسموع او عبارة عن صفة وهو غير الصفة القائمة بالله تعالى التي يكون الله بها عالما قادرا ومريدا فالوصف بذلك خبر عن الصفة وهو قول يمكن ان يصدق او يكذب أما الصفة فهي موجودة بذاته، أي أنها قائمة به قديمة ويعتبر أن الصفات القديمة هي سبعة وهي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام.
اثبت الاشعري صفات ازلية سبعا لله تعالى فالله عالم قادر حي مريد سميع بصير متكلم وهو عالم بعلم “قديم قدم الذات” وقادر بقدرة قديمة وحي بحياة …وسميع بسمع وبصير ببصر ومتكلم بكلام خلافا للمعتزلة الذين يثبتون هذه الصفات[57]. هذه الصفات قائمة بالذات لا هي هو ولا هي غيره لقد خاف المعتزلة لانه يرى في موقفهم تعطيلا للصفات فضلا عن ترادف مفاهيمها مع أن معنى العلم غير معنى القدرة وكذلك في الحياة وسائر الصفات حقا لقد ذهب المعتزلة لتفسير اختلاف العلم عن القدرة إلى القول باختلاف المعلوم عن المقدور.
الكلام الالهي
تعتبر مسالة الكلام الالهي من أهم المسائل التي تقدم فيها الاشعري لفك النزاع والتخفيف من حدتها وان كان الذي ينادي به الأشعري ” التمييز بين الكلام النفسي القائم بالذات الالهية منذ الأزل وبين الحروف والألفاظ الحادثة التي تعتبر دلالات على هذا الكلام الأزلي.
[49] – الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت، ج11، ص346. وأيضا؛ ابن عساكر، علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي (ت571هـ)، تبيين كذب المفتري، ط3، دار الكتاب العربي- بيروت، 1404هـ، ص102. وأيضا؛ ابن خلكان، احمد ابن أبي بكر (ت681هـ)، وفيات الاعيان، تح: إحسان عباس، دار الكتب الثقافية- بيروت، 1968م، مج4، ص268. وأيضا؛ ابن كثير، إسماعيل بن عمر، (ت774هـ)، البداية والنهاية، ط دار الكتب العلمية- بيروت، د. ت، مج11، ص187
[50] – صبحي، محمود احمد، في علم الكلام، دار النهضة العربية- بيروت،1985م، ج2، ص43.
[51] – في علم الكلام ج2 58/59
[52] – عواد، إسماعيل محمد، العقل في الفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص148.
[53] – ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد ( ت 808ه)، المقدمة، لابن خلدون ،دار الارقم بن ابي الارقم – بيروت 206م، ص349.
[54] – أنظر: عبدة، محمد، رسالة التوحيد، دار الشروق- بيروت، 1994م،ص29.
[55] – راجع: ابن خلدون، المقدمة، لابن خلدون، مصدر سابق، ص466، كذلك :عليأن، أصول الدين الاسلامي ، مصدر سابق، ص 53.
[56] – دي بور، تاريخ الفلسفة في الإسلام، تر: محمد عبد الهادي أبو ريدة، دار النهضة العربية- بيروت، د.ت، ص 102.