الفلسفة الإسلامية ومشكلتي الترجمة والمصداق

أول اهتمام عربي بالترجمة كان مع خالد بن يزيد الأمير الأموي الذي أحضر راهبا من الأسكندرية فتعلم عنه الكيمياء وأمره بنقل هذا العلم إلى العربية، وازدهرت عملية نقل العلوم إلى اللغة العربية في العصر العباسي، ولعل الأمراء الذين اهتموا بنقل العلوم اليونانية والفارسية والسريانية والهندية إلى العربية، منهم المنصور وكان اهتمامه بالفلك والطب والرشيد والمأمون، وقد اهتم المأمون بنقل الفلسفة والمنطق بصفة خاصة.

على العموم كان العصر العباسي في بدايته عصر ترجمة وتعلم وفي مراحله المتأخرة بدأت مرحلة التأليف والكتابة في العلوم العقلية منها الفلسفة.

من أهم المترجمين في العصر العباسي: حنين بن اسحاق، وقسطا بن لوقا، ويحيى بن عدي وغيرهم، نجد أن المترجمين كانوا منهم سريان وعرب ونصرانيين ومنهم صابئة كذلك، وهذا الانتماء له انعكاساته على أعمال المترجمين.

ملاحظات على الترجمة

1 – أن التراث اليوناني الفلسفي وما له علاقة به كالمنطق والفلك والطب، انتقل هذا التراث إلى اللغة العربية بتوسط لغة أو لغتين، بمعنى أن الترجمة لم تتم مباشرة عن اللغة اليونانية بل من السريانية.

2 – الكتب المترجمة لم تخضع للمراجعة والتصحيح، وهذا قلل من قيمة المعارف المترجمة خاصة وأن المترجمين لم يكونوا أهل اختصاص بمعنى لم يكونوا فلاسفة وعلماء في الميادين التي مارسوا فيها الترجمة، لأنهم كانوا أدباء أساسا.

3 – أن المترجمين كانوا سريان أو نصارى وهذا ينقص من قيمة الإخلاص في العمل، والغالب في عامل الترجمة هو التكسب خاصة وأن الأمراء أغدقوا على المترجمين الأموال الكثيرة.

4 – بعض الكتب لم يتم التحقق من نسبتها إلى أصحابها وهذا يحدث خللا في فهم مذهب صاحبها، وهنا نذكر قضية ذات أهمية بالغة أثرت في الخطوط الكبرى للفلسفة الإسلامية في علاقتها بالفلسفة اليونانية وخصوصا فلسفة أرسطو، إذ تم التعامل مع كتاب”أثولوجيا” أي (علم الربوبية) باعتباره مؤلفا أرسطيا في حين هو عبارة فصول مقتطعة من تاسوعات أفلوطين. وتم دمج هذا الكتاب ضمن مؤلفات أرسطو، وهذا أحدث خللا كبيرا في المذهب الأساسي لمدرسة أرسطو المشائي فتعاليم مشائية أرسطو تختلف في نقطة مهمة مع تعاليم المشائية العربية الإسلامية، ولعل الفارابي وقع في خطإ في توفيقه بين أرسطو وأفلاطون من خلال كتابه “الجمع بين رأيي الحكيمين” حيث كان قد اعتمد في مؤلفات أرسطو الكتاب المنسوب إليه وهو كتاب أثولوجيا وهو واضح في موافقته لفكر أفلاطون لأن أفلوطين يلتقي كثيرا مع أفلاطون ويبتعد عن أرسطو من ناحية المذهب.

5 – انعكست الترجمة غير الاحترافية على أسلوب ولغة العلوم والمعارف المنقولة حيث طغت عليها الركاكة في الأسلوب والإخلال بالمعاني نتيجة غياب التخصص عند المترجمين، وهذا ظهر بشكل جلي في الكتابات الفلسفية العربية من كثافة الغموض والتعقيد في الأسلوب والألفاظ، مثلا يقول التوحيدي في توضيح مشكلات الترجمة: ” على أن الترجمة من لغة يونان إلى العبرانية ومن العبرانية إلى السريانية ومن السريانية إلى العربية، قد أخلت بخواص المعاني في إبداء الحقائق إخلالا لا يخفى على أحد، ولو كانت معاني يونان تهجس في أنفس العرب مع بيانها الرائع.. لكانت الحكمة تصل إلينا صافية بلا شوب وكاملة بلا نقص، ولو كنا نفقه عن الأوائل أغراضهم بلغتهم كان ذلك ناقعا للغليل وناهجا للسبيل ومبلغا إلى الحد المطلوب”

ويقول الغزالي: ” ثم المترجمون لكلام أرسطاليس لم ينفك كلامهم عن تحريف وتبديل محوج إلى تفسير وتأويل، حتى أثار ذلك نزاعا بينهم” ويقول أيضا: ” زكل من نقل كلام أرسطو من اليونانية إلى الرومية وإلى السريانية وإلى الفارسية وإلى العربية حرّف وجزّف، وظن بنقله الإنصاف وما أنصف. وأقرب الجماعة حالا في تفهيم مقاصده في كلامه الفارابي أبو نصر وابن سينا، فإنهما دققا وحققا فحملا علمه على الوجه المقصود”

ما مصداق الفلسفة الإسلامية؟

عندما نعالج مسألة أصالة الفلسفة الإسلامية من عدم أصالتها نقرأ في المواقف نوعا من الاختلاف في الرؤية لماهية هذه الفلسفة ومكوناتها، وبناء على هذه الرؤية اختلفت المواقف في الأصالة من عدمها. فمن رأى أن الفلسفة الإسلامية هي تعبير عن النشاط العقلي الذي واكب الاجتهاد الفقهي، والنشاط العقلي والفكري الذي تلبست به الرؤية العقائدية للمسلمين، ونصرتهم لها ضد تهجمات العقائد المخالفة وهذا الذي ظهر في البحوث الكلامية.

بناء على هذا التصور للفلسفة الإسلامية لم يكن من شك في أصالتها وتميزها عن الفلسفات الأخرى؛ يونانية كانت أو فارسية أو مسيحية أو يهودية وغير ذلك.

أما من رأى أن الفلسفة الإسلامية لا تخرج عن الإطار النظري لمدرسة المشائين المسلمين أمثال الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وابن طفيل، فإنه لا يتردد في إرجاع الفضل النهائي لقيامها إلى عصر الترجمة ومآل هذا الكلام أن الفلسفة الإسلامية بهذا الاعتبار ذات ماهية يونانية في الخطوط العريضة اللهم إلا بعض التفاصيل التي تمكن فيها الفلاسفة المسلمون من الإبداع والتجديد أو النقد.

مكونات الفلسفة الإسلامية عند التأصيليين

تكاد تجتمع آراء التأصيليين حول مكونات الفلسفة الإسلامية في اعتبار علم أصول الفقه وعلم الكلام مع الردود العقلية على فلسفة اليونان كردود أبي حامد الغزالي والشهرستاني وابن تيمية والقليل من الإنتاج المشائي الإسلامي من الفلسفة الإسلامية كما يضاف إلى ذلك كتابات التصوف الإسلامي التي اقتحمت المباحث الفلسفية الكبرى كالوجود والمعرفة مثل كتابات ابن العربي والجيلي والنفري وابن سبعين وغيرهم ممن صنفوا ضمن التصوف الفلسفي، وكذا حكمة الإشراق.

هذا يعني أن مكونات الفلسفة الإسلامية عند هذا التيار هي:

ـ علم أصول الفقه

ـ علم الكلام

ـ الردود على المشائين

ـ الفلسفة المشائية

ـ التصوف الفلسفي

– الفلسفة الإشراقية

رأي الفريق الثاني

بينما يذهب فريق من المفكرين العرب ـ نذكر منهم الأستاذ عبد الرحمن بدوي وغيره ـ وحتى فريق من علماء الدين خصوصا في مدرسة الحكمة المتعالية.

يذهب هذا الفريق إلى فصل ما هو بحث عقلي بحت، وما يدخل فيه العقل كآلية في إنتاج المفاهيم بحضور النص الديني أو التجربة الروحية.
يرى هذا الفريق أن المقصود بالفلسفة الإسلامية ما يتدخل في إنتاجه البرهان العقلي المحض ومنه فإن المقصود بالفلسفة الإسلامية:


مدارس الفلسفة الاسلامية

  • الفلسفة المشائية
  • الفسفة الاشراقية
    • فلسفة الحكمة المتعاليةولا يمكن إضافة علم الكلام ولا التصوف ولا علم أصول الفقه؛ لأنها تدخل ضمن البحوث الدينية التي تستدعي العقل لغرض تبرير مفاهيم النص وليس للعقل نوع من الإستقلال في إنتاج هذه المفاهيم.

بل ذهب هذا الفريق إلى التحفظ من اعتبار المدرسة الإشراقية ضمن المدارس الفلسفية لأن ارتكازها على المشاهدة وهذا يجانب المنهج العقلي الصارم القائم على المنطق.
وكذلك يتحفظ على مدرسة الحكمة المتعالية ويعتبرها مدرسة فلسفية ملفقة لأنها جمعت مع الفلسفة المحة حقولا تنتمي إلى المعرفة الدينية التي ترتكز على النص الديني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *