ماهية الفلسفة
“وينبغي ان لا نستحي من استحسان الحق، واقتناء الحق من أين أتى، وإن أتى من الاجناس القاصية عنا والأمم المباينة، فإنه لا شيء أولى بطلب الحق من الحق”
“إن الفلسفة هي البحث في الوجود بما هو موجود”
“علم الأشياء الأبدية الكلية، إنيّاتها ومائيتها، وعللها بقدر طاقة الانسان”
الفلسفة الإلهية
الله وصفاته
في الرسالة التي بعث بها الى المعتصم بالله بعنوان “في الفلسفة الأولى” سعى الكندي إلى إثبات وحدانية الله ببيان أنّه تعالى: “لا يشبه خلقه، إذ يقول الكندي: أن الفاعل الأول ليس كثيرا بل واحد غير متكثّر سبحانه وتعالى عن صفات الملحدين علوا كبيرا، فالله مبدع وخلقه مبدعون، وهو دائم وهم غير دائمين لأنّ ما تبدل تبدلت أحواله وما تبدل غير دائم”، والله إضافة إلى أنه واحد بالفعل غير متكثر فإنه أزلي وهي صفة يشدد على ذكرها الكندي بصفة متكررة في رسائله، ويعرف الأزلي فيقول: “الذي لم يكن ليس، وليس بمحتاج في قوامه إلى غيره، والذي لا يحتاج في قوامه إلى غيره فلا علة له، وما لا علة له فدائم أبدا”، وتعريف الكندي هذا يؤكد على صفتين للأزلي وهما:
– أن يكون ضروري الوجود أو موجودا دائما ولم يكن معدوما (لم يكن ليس) أي هو أيس دائم.
– أنّه موجود بذاته ولم يأخذ وجوده أو يُعطى الوجود، أو يُوجده أحد أي وجوده أزلي.
فالله من حيث ذاته هو إنية حقة فهو الذي لم يكن ليس ولا يكون أبدا كذلك لم يزل ولا يزال أيسا أبدا (إشارة إلى أزليته وأبديته)
الوحدة من أخص صفاته واحد في ذاته وفي أفعاله فهو واحد لأنه ليس له صورة ولا هيولى ولا كمية ولا كيفية و لا إظافة، ليس له جنس أو فصل أو شخص أو خاصة أو عرض، ليس متحركا
هو مؤيس الموجودات عن ليس فهو العلة الأولى والفاعل الأول.
أدلّة وبراهين وجود الله عند الكندي
براهين وأدلّة على اثبات الله وهو يقيم هذه البراهين استناد إلى مفاهيم الحركة والكثرة والنظام، كما فعل أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان.
الدليل الأوّل:
يستند هذا الدليل إلى صفة الحدوث، وملخصه أن الشيء لا يمكن أن يكون علّة لذاته، أي لا يمكن أن يكون مُوجداً لذاته، إذن العالم حادث وله بداية في الزمان لأنه متناهٍ ومن ثم فلا بدّ له من محدث ومحدثه هو الله، والدليل هذا قائم على ارتباط فكرة العليّة بفكرة الحدوث.
الدليل الثاني:
الذي يقدمه الكندي فهو قائم على كثرة الموجودات، إذ يرى أنه لا يمكن أن تكون في الأشياء كثرة بلا وحدة ولا وحدة بلا كثرة في كل محسوس أو ما يلحق بالمحسوس، ولما كانت المحسوسات كلها مشتركة في الكثرة والوحدة كان ذلك عن علة لا عن صدفة أو اتفاق، وهذه العلة هي أمر آخر غير الأشياء المشتركة في الوحدة والكثرة لأنه لو كان غير ذلك لاستمر بنا التسلسل الى ما لا نهاية، ولا يمكن أن يكون شيء بالفعل بلا نهاية، فلا يبقى الا أن يكون لاشتراكهما علة أخرى غير ذاتها أرفع وأشرف منهما وأقدم إذ العلة قبل المعلول بالذات.
الدليل الثالث:
على وجود الله عند الكندي فهو قائم على معنى التدبير وهو برهان الغائية في الكون الذي أشار اليه أرسطو ومضمونه أن العالم المرئي لا يمكن أن يكون تدبيره الا بعالم لا يُرى، والعالم الذي لا يُرى لا يمكن أن يكون الا بما يُوجد في هذا العالم من التدبير والآثار الدالة عليه.
الفلسفة الطبيعية
حدوث العالم
أهم مسألة في طبيعيات فلسفة الكندي وهي التي خالف فيها قول أرسطو هي حدوث العالم عند الكندي للبرهنة على حدوث العالم يساوي الكندي بين الجرم (أي العالم) والحركة والزمان، فكل ما في العالم متحرك وكل حركة تحدث في الزمان، لأن الزمان عداد الحركة، لأنه كلما كانت حركة كان الزمان، والزمان متناه فله البداية وله نهاية، ومنه فإن الحركة متناهية والحركة لا يمكن أن تحدث إلا في متحرك وهو موجودات العالم، إذن الحركة محدثة فالعالم محدث. ملخص الدليل أن الحركة والزمان والعالم لا يسبق بعضها بعضا في الوجود وإنما توجد معا، وهذه كلها لها بداية ونهاية فهي بهذا الاعتبار محدثة.
فلسفة المعرفة
تعريف النفس وقواها
يعرف الكندي النفس كونها : ” تمامية جرم طبيعي ذي آلة قابل للحياة”
وهي كذلك: ” استكمال أول لجسم طبيعي ذي حياة بالقوة”
معناه كل ما يقبل الحياة فله نفس، والحياة فيها قوة التغذي والنمو والحركة والإحساس والنطق، وهذه القوة تميز النفوس من بعضها فخاصية النمو والتغذي هي خصائص النفس النباتية وخاصية الحركة والاحساس هي خصائص النفس الحيوانية وخاصية النطق هي خصائص النفس النفس الإنسانية.
القوة العاقلة
هي التي تدرك صور الأشياء من غير مادتها أي الصور المجردة.
أ ـ العقل بالقوة:
ويعني به الكندي قدرة العقل على الادراك، قبل أي حصوله في النفس.
ب ــ العقل بالفعل:
وهو العقل بالقوة بعد إدراكه الكليات، أي أنواع الأشياء واجناسها، شأنها شأن الكتابة في النفس.
جـ ـ العقل الظاهر: وهو العقل حين يدرك الكليات أولا، أو حين يستعيدها بعد اقتنائها، شأنه شأن الكاتب حين يكتب لأول مرة، أو يراجع ما كتب.
د ـ العقل بالفعل أبدا:
يصفه الكندي في رسالته في العقل، بأنه “علة وأول لجميع المعقولات والعقول الثواني”، وبأنه هو الذي يخرج العقل بالقوة من القوة الى الفعل.
رد الكندي على من كفر الفلاسفة
في رد الكندي على الفقهاء والمتكلمين ممن كفروا الفلاسفة إثبات مباشر على توافق الفلسفة والدين
«فينبغي لنا أن لا نستحي من استحسان الحق واقتناء الحق من أين أتى، وإن أتى من الأجناس القاصية عنا والأمم المتباينة، فإنه لا شيء أولى بطلب الحق من الحق». أما الذين يهاجمون الفلسفة الحقيقية فهم «من أهل الغربة عن الحق وإن تتوجوا بتيجان الحق من غير استحقاق»، إنهم إنما يعادون الفلسفة «ذبا عن كراسيهم المزورة التي نصبوها من غير استحقاق، بل للترؤس والتجارة بالدين وهم عدماء الدين، لأن من اتجر بشيء باعه ومن باع شيئا لم يكن له. فمن اتجر بالدين لم يكن له دين ويحق أن يتعرى من الدين من عاند قُنية علم الأشياء بحقائقها وسماها كفرا، لأن في علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية وعلم الوحدانية وعلم الفضيلة وجملة علم كل نافع والسبيل إليه والبعد عن كل ضار والاحتراس منه، واقتناء هذه جميعا هو الذي أتت به الرسل الصادقة من الله جل ثناؤه»
بين تهافت التهافت وكفر المكفر
وضع الفلسفة مع علوم الدين – أو لنقل بشكل دقيق علاقة الفلسفة والفلاسفة مع علماء الدين من فقهاء ومتكلمين – في جميع حقب الحضارة العربية والإسلامية تقريبا متشابه لأن السمة التي تحكم علاقة الفلسفة والفلاسفة بعلماء الدين يختلف فقط في وضع الفيلسوف مع السلطة الحاكمة فإذا كان الحاكم راض عن الفيلسوف ويخلي بينه وبين خصومه فذلك ينقص من شدة الخطر على الفلسفة والفيلسوف لكن إذا إذا كان الحاكم في صف هؤلاء العلماء فالمصيبة على الفيلسوف والفلسفة كبيرة وهذا نلمسه في الفرق بين وضع “الكندي” ووضع “أبي الوليد ابن رشد” مع فارق في مستوى المعرفة الفلسفية بينهما فـ”الكندي” وقف من خصوم الفلسفة موقفا جريئا بحكم الحماية التي كان يلقاها من الحاكم وتستطيع أن تعتبر نصّه محل التحليل هو بنفس عنوان كتاب ابن رشد “تهافت التهافت”.
نستطيع أن نعنون نص الكندي هذا بعنوان “كُفْر المُكَفِّر”.
بينما “أبو الوليد بن رشد” عندما حرم حماية السلطة كاد يفقد حياته بسبب فلسفته. ونحن عندما نقارن بين “الكندي” و”ابن رشد” لا نسمح لأنفسنا بتسوية خصوم الفيلسوفين في العلم ولا تسوية الفيلسوفين في مستواهما المعرفي، فعندما قلنا “تهافت التهافت” في مقابل “كُفْر المُكَفِّر” لا يعني تسوية مستوى أبي حامد الغزالي مع مستوى علماء أهل الحديث في عصر الكندي، لذلك كان أسلوب المواجهة مختلفا فشتان بين الغزالي ومدرسته التي توجت موقفها بكتاب محكم الرد والتأسيس وهو كتاب تهافت الفلاسفة الذي لا يليق به إلا تحصيلا محكما لقضايا الفلسفة وقدرة معتبرة في الدفاع عنها ورفع التهافت عنها وهو الذي وفق فيه أبو الوليد ابن رشد فيلسوف قرطبة