نشأة علم الكلام

تعريف علم الكلام

:يمكن إيراد بعض النصوص التي تتعرض لتعريف علم الكلام ومنها

– أنه “علمٌ يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة، بإيراد الحجج، ودفع الشبهة”[1]. والمراد بالعقائد: ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل، وبالدينيّة: المنسوبة إلى دين النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله .

 – بتعريف ابن خلدون: “هو علمٌ يتضمّن الحجاج عن العقائد الإيمانيّة، بالأدلّة العقليّة، والردّ على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنّة”[2].

 – عرّفه الجرجانيّ بأنّه: “علمٌ يُبحث فيه عن ذات الله تعالى، وصفاته، وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام”[3]. وقد أُدخل قيد قانون الإسلام لإخراج الفلسفة الإلهيّة من التعريف، فإنّها تبحث عن ذلك معتمدة على القواعد العقلية المنطقية.

موضوع علم الكلام

من مواضيعه

” ذات الله تعالى، إذ يبحث فيه عن صفاته وأفعاله في الدنيا كحدوث العالم، وفي الآخرة كالحشر، وأحكامه فيهما كبعث الرسول ونصب الإمام، والثواب والعقاب. وفيه نظرٌ ….وقيل: هو الموجود بما هو موجود”

– بين علم الكلام والفلسفة:

ويمتاز علم الكلام عن العلم الإلهيّ أي؛ الفلسفة الإلهيّة باعتبار؛ وهو أنّ البحث ههنا (في علم الكلام) هو على قانون الإسلام بينما في الفلسفة فالبحث على قانون الفلسفة (والنظر العقلي المجرد) بشكلٍ عام ، “[4].

تسمية علم الكلام

اختلفت التعليلات في تسمية علم الكلام وذلك إما بحسب الأحداث التاريخية أو بسبب المنهج أو الموضوع، فقد قدمت له عدة تسميات. فمثلا حدد التفتازاني في شرح المقاصد عدة اوجه تبرر التسمية كترجيحات تداولها الدارسون له وحتى المتكلمون ومن اهم هذه التسميات :

تسمية علم الكلام والمناسبة متعددة منها

 1ـ إنّ العلماء المتقدّمين كانوا يُعَنوِنون فصول أبحاثهم بالكلام؛ فيقولون: كلامٌ في التوحيد، كلامٌ في القدرة، كلام في النبوّة، كلامٌ في العدل، وهكذا، فلمّا كثر لفظ الكلام في هذا النحو من أبحاثهم سمّي بعلم الكلام.

2 ـ إنّ من يدرس هذا العلم، ويتقنه ويستحضر قوانينه وأدلّته، يصبح ماهراً وبارعاً في النقاش والمجادلة وإفحام الخصم، وبعبارةٍ أخرى تصبح عنده قوّةً في الكلام مع الخصم في الأمور الاعتقاديّة والعقليّة والشرعيّة، فيسمّى متكلّماً، لتضلّعه بهذا العلم.

4 ـ إنّ أشهر مسألةٍ بحث عنها هذا العلم، واختلفت فيها الآراء- لا سيما في القرن الأوّل الهجريّ- هي معنى الكلام الإلهيّ، وهل أنّ الله متكلّمٌ؟ وهل أنّ كلامه قديمٌ أم حادثٌ؟ واشتدّ النزاع كثيراً في هذه المسائل بالذات بين الفرق الإسلاميّة، حتّى كفّر بعضهم بعضاً، وأريقت دماءٌ كثيرة، بما هو معروفٌ في التاريخ باسم محنة القرآن .

ولعل سبب التسمية الأخير أي كثرة الجدل في مسألة الكلام الإلهي، هو الأرجح فسمي الكل بفرع من فروعه،لأن مسألة الكلام هي فرع من فروع هذا العلم.

تسمية علم أصول الدين

سمي بعلم أصول الدين لأنه يتناول العقائد وهي التي يبنى عليها المعاملات والعبادات ويعد المخالف لها أو المنكر لها بمثابة الخارج عن الملة عل عكس المخالف في فروع الدين فإنه يعد فاسقا وليس كافرا، والمراد بالدين هو مجموعة المفاهيم والأحكام والأخلاق التي تفرضها الشريعة على الإنسان.

وإنّما سمي هذا العلم الذي نحن بصدده بعلم أصول الدين، “لأنّ العلوم الدينيّة من الفقه والحديث والتفسير مبنيّةٌ عليه، لأنّها متوقّفةٌ على صدق الرسول، المتوقّف على ثبوتِ المرسِلِ وصفاته وامتناع القبيح عليه، وهذا العلم يبحث عن ذلك … فلا جرم كان أصلاً للدين”[5].

تسميته بعلم التوحيد

ومن الجليّ جداً أنّ وجه التسمية بهذا الاسم هو أحد أبرز وأهمّ أبحاثه، وهو البحث عن توحيد الله سبحانه، وعن صفاته تعالى، فكانت التسمية للكلّ باسم الجزء، وهو متعارف جدّاً في لغة العرب.

التسمية بالفقه الأكبر

عموما يصطلح الفقه على علم الأحكام الشرعية من حلية وحرمة وندب وغيرها من هذه الأحكام وسمي بالفقه الأصغر في مقارنته بعلم الكلام وعلم العقائد وبما أن الأحكام العملية تُبتنى على المسائل الاعتقاديّة، كانت هذه المسائل أهمّ وأشرف، لذلك سمّيت الأحكام بالفقه الأصغر، وسميّت المسائل الاعتقاديّة بالفقه الأكبر.

نشأة علم الكلام

لم ينشأ علم الكلام دفعة واحدة وإنما نشأ وتطور نتيجة التحولات الكبرى طالت البيئة العربية الإسلامية على المستوى السياسي والفكري والاعتقادي وقد دخل في بنائه عدة أسباب وظروف متعددة داخلية أو خارجية بفعل الاحتكاك بشعوب تدين بأديان مختلفة ومخالفة لدين الإسلام:

العوامل الداخلية لنشأة علم الكلام

عرض القرآن الكريم والسنة النبوية مفردات العقيدة عرضا استدلاليا تارة وتقريريا أخرى ومن خلال مناقشة المشككين والمنكرين في الأمم السابقة  وجدالهم ورفع الكثير من الشبهات التي اعترضت بها تلك الأمم على أنبيائها، هذا كان في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعد انتقال النبي إلى ربه بدأ الخلاف يدب في أذهان المسلمين ولا يجدون فيه الرأي الصائب الذي يربت على قلوب المسلمين بالطمأنينة والسكينة المعرفية والإيمانية فكثر الخلاف والتنازع في المسائل التي أمنوا على الخلاف حولها مع وجود النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان أول ما احتدم النزاع فيه وتولد في ظله عدة آراء مختلفة، مسألة الخلافة والإمامة، ومسألة وقضية الإيمان وعلاقته بالعمل لتليها عدة مسائل لها علاقة بالعقائد كقضية القدر وعلاقته بفعل الإنسان، ثم البحث في التوحيد ولوازمه من الصفات والأسماء، وكل هذه الأسئلة لم تجد لها الجواب الواحد الذي يقر القلوب ويطمئنها، لذلك كان من نتائج هذه الآراء المتعددة نشوء النزاعات والاختلافات التي مزقت الأمة الواحدة، فكان البحث في هذه المسائل وتبويبها عاملا أساسيا في نشأة علم الكلام.

ب: العوامل الخارجيّة

الاحتكاك الثقافيّ واللقاء الحضاريّ

كان في الاحتكاك الثقافيّ واللقاء الحضاريّ للمسلمين مع الشعوب الأخرى ذات الحضارات والديانات المختلفة تأثيرٌ بالغٌ، عاد على الإسلام والمسلمين بالخير الكثير، إلّا أنّ هذا الاحتكاك لم يخلُ عن مضاعفات، وهي انتقال تلك الآراء والأفكار إلى المسلمين، وهم غير متدرّعين تجاه تلك الشبهات والمشاكل.

ابن أبي العوجاء، وحماد بن عجرد، ويحيى بن زياد، ومطيع بن اياس، وعبد الله بن المقفّع إلى غير ذلك بين غير متدرّع أو غير متورّع، فأوجد ذلك قلقاً ووحشةً بين المسلمين.

كان عامل الترجمة دوره الفعال في تطوير علم الكلام وإيجاد مقالات جديدة لم يرثها علماء الكلام من عهد الرسول وعهد الصحابة، ولعل الظواهر السلبية في العقيدة كالإلحاد والزندقة بسبب نقل الكتب الرومانيّة واليونانيّة والفارسيّة إلى اللغة العربيّة دون نظارةٍ ورقابةٍ، وجعلها في متناول أيدي الناس، وقد ذكر ابن النديم تاريخ ترجمة تلك الكتب فقال:

كان خالد بن يزيد بن معاوية محِبّاً للعلوم، فأمر بإحضار جماعةٍ من فلاسفة اليونان، ممّن كان ينزل مدينة مصر، وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليونانيّ والقبطيّ إلى العربيّ، وهذا أوّل نقل كان في الإسلام من لغةٍ إلى لغة، ثم نقل الديوان وكان باللغة الفارسيّة إلى العربيّة في أيّام الحجّاج، وكان أمر الترجمة يتقدم ببطء، إلى أن ظهر المأمون في ساحة الخلافة، فراسل ملك الروم يسأله الإذن في إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة، المدّخرة في بلاد الروم، فأجاب إلى ذلك بعد امتناع، فبعث المأمون جماعة، منهم: الحجّاج بن مطر، وابن بطريق، ومحمّد بن أحمد و الحسين بنو شاكر المنجّم، فجاؤوا بطرائف الكتب، وغرائب المصنّفات في الفلسفة والهندسة وغيرهما”[6]. ثم ذكر ابن النديم أسماء النقلة من اللغات المختلفة إلى اللغة العربيّة، وجاء بأسماء كميّة هائلةٍ فأخذوا يصبون ما وجدوه من غثٍّ وسمينٍ في كتب الوثنيّين والمسيحيّين على رؤوس المسلمين، وهم غير متدرّعين وغير واقفين على جذور هذه الشُبَه، مع أنّها كانت تزعزع أركان الإسلام.

أهم المسائل الكلامية

مشكلة الإمامة

يصرّ كتّاب الملل والنحل على أنّ الاختلاف في الإمامة كان أوّل اختلافٍ دينيٍّ وأعظم خلافٍ بين الأُمّة.

يقول أبو الحسن الأشعريّ: “أوّل ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد وفاة نبيّهم صلى الله عليه وآله اختلافهم في الإمامة”[7].

ويقول الشهرستانيّ: “إنّ الاختلاف في الإمامة أعظم خلاف بين الأُمّة، إذ ما سلّ سيفٌ في الإسلام على قاعدةٍ دينيّةٍ مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان”[8].

سبب الإختلاف في الإمامة انشقاقا في الأمة بين من يقول بشرط لإمام إلى قريش وبين من يرى القريشية ليست شرطا، كذلك وقع الخلاف فيها بين كونها منصوصا عليهل من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وبين تركها شورى بين الصحابة من بعده، يضاف إلى ذلك شروط الإمام من حيث العصمة وعدمها، وكانت هذه المسائل مما نتج عنه اختلاف الأمة الواحدة إلى فرق منها الخوارج وأهل السنة والشيعة..

مشكلة الإيملن

هل الإيملن يتجزأ أم هو وحدة جامعة لكل أعمال المسلمين، وانشقت المقالات بين فرقة تعتبر الإيمان ثابتا ولا علاقة له بالعمل وهي المرجئة، وفرقة ترى أن العمل الصالح جزء الإيمان بحيث ينتقض الإيمان بالكبائر وهي الخوارج، وفرقة أخرى ترى أن الكبائر لا تنقض الإيمان لكن لها أثر سلبي في الآخرة وهو التخليد في النار تحت عنوان أن صاحب الكبيرة هو في منزلة بين المنزلتين وهم المعتزلة.

القدر وفعل الإنسان

نشأت مقالات في هذا الباب بين من يرى أن لبقدر سابق على أفعال وأحوال الإنسان وليس له سوى القبول به من باب الإيمان بالقضاء والقدر، وسميت الطائفة التي تتبنى هذا الطرح بالجبرية وهو الجهمية، وهناك فرقة ترى أن القدر من صنع الإنسان وأنه مخير ولا مسير في فعله كون العدل الإلهي يفرض ذلك هذه الفرقة سميت بالقدرية والتي تطورت فيما بعد إلى فرقة المعتزلة.

بينما رأت فرقة أخرى أن الأفعال من خلق الله والإنسان يعد كاسبا لها بالقدرة التي خلقها الله له، فهو بحسب هذه الفرقة لا مسير ولا مخير.

التوحيد (الذات والصفات)

هذه أهم مسائل علم الكلام التي تطور فيها النظر وقويت الاستدلالات لأنها استحدث الحديث فيها والتنظير لها مع تطور علم الكلام، بين من يعتبر أن الصفات هي عين الذات كما اعتقدت المعتزلة والشيعة والجهمية، وبين من يعتبر أن الصفات غير الذات أي هيآت معنوية قائمة بالذات لكنها قديمة وليست حادثة ما دامت قائمة بالذات القديمة والفرقة التي تبنت هذا الرأي هم الأشاعرة.

[1] – الايجي (ت 756ه) :المواقف، ج1،  تحقيق:عبد الرحمن عميرة، دار الجيل لبنان-بيروت,ط.1، 1997 ،ص31.

[2] – ابن خلدون (ت:808ه) ، تاريخ ابن خلدون، ج1،  دار احياء التراث العربي-بيروت-لبنان، ط.1، ص485

[3] – الجرجاني-علي بن محمد ( ت816ه) ، لتعريفات، دار القلم،  بيروت-لبنان، 1984،  ص458.

[4] – الايجي ت:756ه: عبد الرحمن بن احمد: المواقف، دار الباز-مكة المكرمة،  الموقف الاول، ص7.

 [5] – الاحسائي، كشف البراهين، تحقيق: وجيه بن محمد المسبح، منشورات مؤسسة أم القرى، قم-ايران، ط1، 2001.ص66- 67.

 [6] – ابن النديم (ت:438ه) ،  فهرست ابن النديم،  تحقيق تجدد-رضا، طهران، (د/ط)، (د/س)، ص303.

 [7] – مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين:1/34,نشرة محيي الدين عبد الحميد. نقلا عن السبحاني في مقدمته على نهاية المرام في علم الكلام/ تحقيق: فاضل عرفان/ منشورات مؤسسة الامام الصادق عليه السلام,قم-ايران, ط.الاولى1419ه-ج1 ص15.

[8] – الشهرستاني/ الملل والنحل/ دار المعرفة-لبنان/ج1 ص24.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *